ترامب يوظّف التعريفات الجمركية لحماية صناعة الصلب الأمريكية… وكندا تدفع الثمن
واشنطن - تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال زيارته لمصنع صلب في ولاية بنسلفانيا في مايو الماضي، بإعادة إحياء صناعة الصلب المحلية، مؤكداً أن “صلب بنسلفانيا سيعود ليكون العمود الفقري لأمريكا كما لم يحدث من قبل”. لكن هذا الوعد، الذي يستهدف تعزيز الصناعة الأمريكية في الولايات المتأرجحة ذات الإنتاج الصناعي الكبير، يأتي على حساب كندا، التي تتحمل وطأة التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب.
حيلة التعريفات الجمركية
استخدم ترامب قانون الطوارئ الاقتصادية الدولية (IEEPA) لفرض تعريفات متبادلة واسعة النطاق على دول العالم، حيث بلغت النسبة 35% على السلع الكندية غير المشمولة باتفاقية التجارة الحرة بين كندا والولايات المتحدة والمكسيك (CUSMA)، بينما تواجه دول مثل البرازيل والهند تعريفات أعلى تصل إلى 50%. ورغم أن محكمة الاستئناف الفيدرالية الأمريكية قضت يوم الجمعة بأن هذه التعريفات غير قانونية، إلا أن القرار، الذي جاء بأغلبية 7 أصوات مقابل 4، أرجأ التنفيذ حتى منتصف أكتوبر، مما يمنح البيت الأبيض فرصة للطعن أمام المحكمة العليا.
لكن ترامب لا يكتفي بهذه التعريفات. فقد استغل سلطاته بموجب قانون توسيع التجارة لعام 1962 لاستهداف واردات محددة، خاصة في قطاعات الصلب والألمنيوم وقطع غيار السيارات، التي يعتبرها تهديداً للأمن القومي. في 3 يونيو، ضاعف ترامب التعريفات على واردات الصلب والألمنيوم من 25% إلى 50%، وأضاف النحاس إلى القائمة في أوائل أغسطس. وفي منتصف أغسطس، وسّعت وزارة التجارة الأمريكية نطاق التعريفات بموجب المادة 232 لتشمل 407 منتجات تحتوي على نسب متفاوتة من الصلب والألمنيوم، مثل علب الأيروسول، الأثاث، وقطع غيار السيارات والآلات.
أوضح جيفري كيسلر، وكيل وزارة التجارة للصناعة والأمن، أن “هذه الإجراءات توسع نطاق تعريفات الصلب والألمنيوم وتسد الثغرات التي تسمح بالتحايل، مما يدعم استمرار إحياء صناعات الصلب والألمنيوم الأمريكية”. هذه التعريفات تطال جميع الدول المصدرة للمعادن إلى الولايات المتحدة، لكن كندا، بصفتها المورد الأول للصلب الأمريكي بقيمة 8.36 مليار دولار العام الماضي، تتحمل العبء الأكبر.
تأثير على كندا والمكسيك
في حين تواجه الدول الأخرى تعريفات IEEPA التلقائية بنسبة 25% أو أكثر، تتيح التعريفات الموسعة بموجب المادة 232 للولايات المتحدة فرض رسوم على منتجات من كندا والمكسيك كانت معفاة من الرسوم بموجب اتفاقية CUSMA. يقول جيسون ميلر، أستاذ إدارة سلسلة التوريد في جامعة ميشيغان: “النية واضحة، وهي فرض تعريفات على قطع غيار السيارات من كندا والمكسيك”. هذا التحايل يضع كندا في موقف صعب، حيث تُستهدف منتجاتها بشكل مباشر.
رداً على ذلك، أعلن رئيس الوزراء الكندي مارك كارني الأسبوع الماضي إلغاء التعريفات الجمركية الانتقامية على السلع الأمريكية المشمولة باتفاقية CUSMA لتعزيز المفاوضات التجارية، لكنه أبقى على التعريفات المضادة على الصلب والألمنيوم والسيارات الأمريكية.
تعزيز صناعة الصلب الأمريكية
يبرر ترامب استهداف واردات الصلب بحجة الأمن القومي، مشيراً إلى ضرورة زيادة القدرة الإنتاجية المحلية لمواجهة حالات الطوارئ مثل الحروب. التعريفات تجعل الصلب المستورد أغلى، مما يتيح للمنتجين المحليين رفع الأسعار وتشجيعهم على الاستثمار في توسيع مصانعهم. ونتيجة لذلك، يتم ضخ مليارات الدولارات في مشاريع جديدة، مثل مصنع “يو إس ستيل” في أركنساس، ومصنع هيونداي في لويزيانا، ومصنع نوكور في كنتاكي.
بالإضافة إلى ذلك، يهدف ترامب إلى دعم الوظائف ذات الياقات الزرقاء وزيادة الأجور لجذب قاعدته الانتخابية. وفقاً لمكتب إحصاءات العمل الأمريكي، ارتفعت رواتب العمال النقابيين بنسبة 4.6% منذ العام الماضي. كما تسعى صناعة الصلب الأمريكية للوصول إلى معدل استخدام الطاقة الإنتاجية بنسبة 80% لأغراض الأمن القومي، حيث بلغ الإنتاج الأسبوعي في منتصف يونيو ذروة ثلاث سنوات عند 1.78 مليون طن، بمتوسط استخدام الطاقة الإنتاجية بين 76.2% و78%.
لكن هل هناك حاجة فعلية لهذه التعريفات؟ في عام 1944، أنتجت الولايات المتحدة حوالي 80 مليون طن من الصلب خلال الحرب العالمية الثانية، بينما تنتج اليوم حوالي 90 مليون طن في وقت السلم. يرى كلارك باكارد، باحث في مركز دراسات سياسة التجارة بمعهد كاتو، أن التعريفات لا معنى لها اقتصادياً، حيث ترفع أسعار الصلب الأمريكي بمقدار 400 دولار للطن مقارنة بالمنافسين الدوليين، مما يضر بالصناعات التي تعتمد على الصلب مثل السيارات والآلات والبناء.
تداعيات اقتصادية
تؤدي التعريفات إلى ارتفاع تكاليف المنتجات مثل السيارات ومعدات الزراعة والمنازل، مما يؤثر على الاقتصاد الأمريكي. يقول باكارد: “الصلب مدخل حيوي للمصنعين المحليين، وفرض التعريفات عليه يعيق الاقتصاد الصناعي المحلي”. كما أن ارتفاع الأسعار يؤدي إلى تسطيح الطلب على الصلب، مما يضر بالوظائف في الصناعات التحويلية. فقد خسرت الولايات المتحدة 11,000 وظيفة تصنيعية في يوليو و7,000 في يونيو، مع انخفاض مؤشر مديري المشتريات الصناعي، مما يعكس تراجع النشاط الصناعي.
يضيف أندرو هيل، محلل سياسات في مؤسسة هيريتيج، أن التعريفات ستؤدي إلى “تأثير دومينو مروع” على الصناعات والعمال. ويشير ميلر إلى أن حرمان الشركات الأمريكية من الوصول إلى إمدادات الصلب الكندية يضعها في موقف تنافسي غير مواتٍ.
معارك قانونية في الأفق
يثير الخبراء تساؤلات حول شرعية فرض التعريفات على هذه المنتجات بحجة الأمن القومي. يقول باكارد: “حديد التسليح الكندي لا يشكل تهديداً للأمن القومي الأمريكي، وهذا لا يجتاز اختبار المنطق”. لكنه يتوقع أن تستمر المحاكم الأمريكية في دعم سلطة الفرع التنفيذي في استخدام التعريفات بموجب المادة 232.
ومع ذلك، يتوقع هيل زيادة الدعاوى القضائية في الأشهر المقبلة، خاصة بعد تسوية قضية تعريفات IEEPA. ويشير إلى أن استخدام ترامب للتعريفات يعتمد على تحقيق من فترة ولايته الأولى، مما يفتح المجال للطعن القانوني، حيث تتطلب الظروف الاقتصادية الحالية تحقيقاً جديداً ومشاورات مع الكونغرس.
في كندا، يأمل السياسيون في رفع تعريفات IEEPA، بينما رفعت بعض الشركات الكندية دعاوى قضائية في المحاكم الأمريكية ضد التعريفات بموجب المادة 232. في المقابل، يراهن منتجو الصلب الأمريكيون على دعم ترامب المستمر والاستثمارات المليارية لتحقيق صناعة محلية أقوى.