https://www.traditionrolex.com/8


من المهام الأمنيّة والعسكريّة إلى التّعاون الإنمائي... ألمانيا تعدّل استراتيجيّتها في السّاحل الأفريقي


On 21 May, 2023
Published By Karim Haddad
من المهام الأمنيّة والعسكريّة إلى التّعاون الإنمائي... ألمانيا تعدّل استراتيجيّتها في السّاحل الأفريقي

تعتزم ألمانيا تغيير استراتيجيتها تغييراً أكبر في منطقة الساحل الأفريقي، والانتقال من المهام العسكرية البحتة إلى التعاون الإنمائي. وهذا يعني الاهتمام بأوضاع السكان المحليين هناك. فما هي توجهات برلين لهذا النهج المتكامل الذي يعتزم التحالف الحاكم اعتماده، وكيف يمكن للعمل التنموي أن يساعد في منع انتشار الإرهاب وبناء شبكات الأمان الاجتماعي، بعدما باتت حكومات العديد من دول المنطقة عسكرية والديموقراطيات فيها تمر بأوقات عصيبة، ويؤثر التضخم والدين القومي في بلدانها، حتى أن بعضها يواجه الإفلاس؟

الأمن البشري أولاً

رغم أن ألمانيا لم تحقق في مهامها الأمنية هناك سوى نتائج محدودة للغاية، تعتزم برلين مساعدة الحكومات المحلية في أفريقيا على تعزيز قدراتها في بناء ديموقراطية مستقرة وتنمية ناجحة. وفي الإطار، أفادت وزيرة التنمية والتطوير سفينيا شولزه أخيراً، في مقابلة مع "شتوتغرتر ناخريشتن"، بأن ألمانيا تريد تكثيف التزاماتها والتعاون الثنائي هناك مع تنامي خطر أن تزعزع الجماعات الإرهابية الإسلاموية استقرار الدول الساحلية في غرب أفريقيا، ولهذا ستكون سياسة التنمية للمنطقة بأكملها والتي نسميها منطقة "الساحل بلاس".

وشددت شولزه على أن من المهم اتباع مفهوم واسع للأمن، بما في ذلك الأمن البشري على المدى الطويل، والحكومة الفدرالية مدركة أنه لا يمكن ضمان الأمن العسكري فقط، ولكن يجب التركيز على التنمية كوقاية، معتبرة أن كل يورو يستثمر في هذا النوع من الوقاية يوفر في النهاية ما بين 4 إلى 8 يورو على مساعدات الطوارئ، وفي كثير من الأحيان تكاليف عسكرية أعلى. وفي رد على سؤال أشارت الوزيرة إلى أنه في بعض الدول التي تحكمها دكتاتوريات، فإن الدعم يتحول إلى دعم مباشر للسكان المحليين عبر الجمعيات والمنظمات الناشطة هناك.

وتركز الاستراتيجية التي أُطلقت قبل أيام لخلق تنمية مستدامة على أهمية خلق فرص عمل والتدريب المهني للشباب، وبخاصة في المجال الزراعي، إذ لا تزال 40% من المحاصيل الزراعية مفقودة، والنجاح في استنهاض بعض القطاعات لا يساعد في مكافحة الجوع وحسب، بل يخلق أيضاً العديد من الوظائف الجديدة. وتعتبر منطقة الساحل واحدة من أفقر مناطق العالم، وتعاني أزمات عديدة، بينها تغير المناخ والجفاف والنمو السكاني ونقص الغذاء وضعف التعليم، كما تأثير الجماعات الإسلاموية في جيل الشباب والإرهاب وتدفق اللاجئين.

وحيال ذلك، نقلت "تاغس تسايتونغ" عن محمد أناكو رئيس المجلس الإقليمي لأغادز، وهي منطقة في شمال النيجر، أن بلاده لم تعد دولة عبور بل هي بلد مقصد للمهاجرين، يأتي الوافدون ليستقروا فيها، وهناك حاجة للمال لرعايتهم ولرفع مستوى البنية التحتية وتأمين المياه والصحة والتعليم، وإلا فستصبح المنطقة مركز جرائم العصابات الإسلاموية، وهذا ليس من مصلحة الألمان، لأن خطرها حقيقي وقد تنتقل مرة أخرى إلى أوروبا. 

وتشكو العديد من منظمات التنمية الألمانية من تراجع التمويل لدعم التعاون الإنمائي، والموازنة الفدرالية الألمانية تتعرض لضغوط بعد سنوات من إدارة الأزمات وحرب أوكرانيا، رغم أن "اتفاق إشارات" نص على زيادة الأموال المخصصة للتعاون الإنمائي والدبلوماسية، بما يتناسب مع الزيادات في موازنة وزراة الدفاع.

استراتيجيّة للمنافسة عالمياً

ورأت المحللة السياسية تينا هيلدبرانت في صحيفة "دي تسايت" أخيراً، أن زيارة المستشار الألماني أولاف شولتس الثانية لأفريقيا قبل أيام تهدف للمساعدة والدعم، ومن أجل استراتيجية جديدة للمنافسة العالمية، لا سيما أن بلدان الجنوب والشرق الأفريقيين ستكون ذات أهمية اقتصادية أكبر في المستقبل. وقبل كل شيء يهتم شولتس باكتساب حلفاء سياسيين في عالم يختلف اختلافاً جوهرياً، والدول الأفريقية تريد أن تقرر بنفسها ولا تريد أن تنسب إلى أي كتلة، كما في الحرب الباردة، والمستشار يريد تكوين صداقات قبل الحاجة إليها يوماً ما، وهذا جوهر استراتيجيته الجديدة بين أوروبا وأفريقيا، وأفاد بأنه سيعمل على ضمان حصول الاتحاد الأفريقي مستقبلاً على مقعد دائم في مجموعة العشرين، في مؤشر إلى نيته احترام دول القارة السمراء وعدد سكانها المتزايد. كل ذلك وسط القناعة الأوروبية بأن الصين وروسيا تنجحان في أفريقيا لأنهما لا تطالبان بحقوق الإنسان، بل تتكيفان مع حاجات من هم في السلطة.

وأمام ذلك، أشارت تعليقات إلى أن السياسة الخارجية الألمانية لم تعد قادرة على اعتبار التعاون مع البلدان التي تسمى العالم الثالث تقوم على المساعدة الإنمائية التوسعية فقط، لا سيما أن فلاديمير بوتين بعد الحرب الأوكرانية استخدم هذه الدول بذكاء، كما يتضح من التصويت في الأمم المتحدة والعلاقات معها باتت تتعلق بقضايا سياسية ودخلت اللعبة الاستراتيجية في القارة، حتى أن أفريقيا كانت الساحة الأولى التي تحدّت فيها الصين الغرب من أجل النفوذ.

تفيد المعلومات بأن المستشار ركز خلال محادثاته في كينيا على الأمن الغذائي وعواقب تغير المناخ، والعمل لإبرام اتفاقيات حتى يتمكن اللاجئون الذين ليس لديهم الحق في البقاء من مغادرة ألمانيا، وفي الوقت نفسه يمكن أن يصل إليها أولئك المتخصصون المؤهلون الذين تحتاج إليهم الدولة الصناعية في أوروبا، أي خلق المزيد من الفرص القانونية المنتظمة للهجرة.

الغرب يحتاج أفريقيا

يعتبر خبراء ألمان أن برلين لديها الكثير لتقدمه إلى أفريقيا الغنية بالمواد الخام والثروات الطبيعية، لكن التعاون الناجح يتطلب أولاً إرادة النمو وحل النزاعات سلمياً من جانب الأفارقة. وفي الإطار، أبرز تحقيق لشبكة "إيه أردي" الإخبارية أن الغرب يحتاج أفريقيا، فسياسياً هو بحاجة إليها في ما خص النزاع في أوكرانيا، وعلى سبيل المثال تواجه العديد من الدول الأفريقية مشكلة في اتخاذ موقف واضح ضد روسيا، وقد يكون ذلك لأسباب تاريخية. ومن الناحية الاقتصادية، يتزايد عدد الشركات هناك ومعها تنمو أسواق المبيعات. علاوة على ذلك، فإن المواد الخام المهمة مثل الكوبالت والليثيوم أساسية لأوروبا من أجل التحول "الأخضر" المستدام للصناعات الغربية، وهذه المواد مهمة للغاية من أجل تقليل الاعتماد على روسيا والصين. 

وبحكم أهمية الطاقات المتجددة للنظام الاقتصادي الألماني، تعتزم الدولة صاحبة أقوى اقتصاد في أوروبا أيضاً الدخول في شراكات عادلة ومصلحة حقيقية، وأهمها في قطاعات الطاقة المتجددة ما سيمكّن الكثيرين من الحصول على وظائف، كما مجال التكنولوجيا، فمثلاً إن بلداً مثل كينيا يتكل بنحو 90% على الطاقة المتجددة، ويسعى جاهداً لتقليل تكاليف الطاقة المرتفعة. وفي جنوب أفريقيا، بدأت ألمانيا العمل بطريقة أوثق مع الشركاء من أجل التخلص التدريجي من الفحم وخلق وظائف جديدة لعمال الفحم وبناء محطات الطاقة المتجددة، وسيصار إلى توسيع هذا النموذج بشراكات مماثلة في دول أفريقية أخرى.

 

المصدر: "النهار العربي برلين - شادي عاكوم"






إقرأ أيضاً

ألمانيا... تحقيق في شبهات بتسمّم صحافية وناشطة روسيتين
بالصور- مياه نافورة "تريفي" الشهيرة في روما صُبِغت بالأسود احتجاجاً على تغيّر المناخ

https://www.traditionrolex.com/8