https://www.traditionrolex.com/8


لِي هْوي... دبلوماسيّ التّسوية في أوكرانيا؟


On 20 May, 2023
Published By Karim Haddad
لِي هْوي... دبلوماسيّ التّسوية في أوكرانيا؟

تطوّرٌ ما، وربّما أكثر، يدفع الصين إلى الانخراط النشط في وساطة بين روسيا وأوكرانيا لإنهاء الحرب. إذا كان جهد الصين غير جديد تماماً في هذا المجال، فإنّه تلقّى دفعة إضافيّة خلال الأسابيع القليلة الماضية. بمناسبة الذكرى السنويّة الأولى على انطلاق الغزو الروسيّ لأوكرانيا، أطلقت الصين مبادرة سلام من اثنتي عشرة نقطة. تجاهلها السياسيّون والمحلّلون الغربيّون باعتبارها مجموعة مبادئ فضفاضة نابعة من دولة "لم تكن محايدة" تجاه الصراع.

بخلاف ما كانت الأمور عليه مع أوكرانيا، ظلّت الصين على تواصل شبه دائم مع روسيا، حيث لم تنقطع زيارات كبار مسؤوليها إلى موسكو، وفي طليعتهم الرئيس شي جينبينغ. بالمقابل، حُرمت أوكرانيا من زيارات أو حتى مجرّد مكالمات من القادة الصينيّين... إلى أن تبدّلت الأمور في 26 نيسان الماضي. يومها، تلقّى الرئيس الأوكرانيّ فولوديمير زيلينسكي الاتّصال الأوّل من نظيره الصينيّ منذ اندلاع الحرب. قد يكون 26 نيسان اليوم الذي انطلقت فيه القاطرة الدبلوماسيّة الصينيّة.

ما سبب كلّ الضجّة؟

عقب الاتّصال بين الرئيسين الصينيّ والأوكرانيّ، عيّن زيلينسكي أوّل سفير لبلاده في الصين بعدما كان هذا المنصب شاغراً منذ شباط (فبراير) 2021. بالمقابل، أعلنت الصين بعد أيّام قليلة أنّها سترسل موفدها الخاص للشؤون الأوراسيّة لي هوي إلى أوكرانيا وبولندا وفرنسا وألمانيا وروسيا للبحث في قضيّة السلام. إرسال شخصيّة تتمتّع بثقل دبلوماسيّ وازن كما هي الحال مع لي قد يكون أبرز دليل إلى أنّ بكين مهتمّة فعلاً باستكشاف آفاق السلام وتوسيعها، بدلاً من مجرّد إعلان حسن نيات.

عمل لي لفترة طويلة في السلك الدبلوماسيّ الصينيّ. فهو دخل قسم الدراسات الأوروبيّة الشرقيّة والسوفياتيّة في الوزارة سنة 1975 وشغل مناصب عدّة ضمن سفارة بلاده في الاتّحاد السوفياتيّ ثمّ في روسيا وكازاخستان. بين عامي 2003 و2008 أصبح مساعداً لوزير الخارجيّة الصينيّ قبل أن يصبح نائباً له بين 2008 و2009. في السنة نفسها، اختارته الصين ليكون سفيرها في موسكو، حيث خدم هناك طوال عقد من الزمن، وهي الخدمة الأطول لأيّ دبلوماسيّ صينيّ في هذا المنصب.

هو يتحدّث الروسيّة بطلاقة وله شغف كبير بالأدب الروسيّ. وقبل مغادرته موسكو سنة 2019، منحه الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين وسام الصداقة تقديراً لجهوده في تطوير العلاقة بين البلدين. قد ترسم هذه الصفات صورة عن لي بأنّه دبلوماسيّ "منحاز" لروسيا. ليس هذا ضرورياً بحسب أكثر من مراقب. تنقل صحيفة "ساوث شاينا مورنينغ بوست" عن الخبير في الشؤون الروسيّة وآسيا الوسطى في "أكاديمية شنغهاي للعلوم الاجتماعيّة" لي ليفان قوله إنّ مجرّد إتقان اللغة الروسيّة لا يعني الانحياز لمصلحة روسيا: "هل تعلّمُ الإنكليزيّة يعني دوماً الانحياز لأميركا؟". وقال إنّ لي تمكّن خلال مسيرته من بناء بعض الروابط في موسكو وكييف وعواصم أوروبيّة.

ي حديث إلى شبكة "أن بي سي"، قال المحاضر في الشؤون الدفاعيّة في كليّة الملك بلندن زينو ليوني إنّ تعيين الصين لي موفداً لها يجب أن يُنظر إليه أكثر على أنّه محاولة لتعيين شخص يستيطع إيصال الموقف الصينيّ بدقّة أكبر. هو سَيَفهم أين ستكون الوساطة ممكنة، أو غير ممكنة، بحسب رأي ليوني.

رسائل محتملة

قد تقف اعتبارات عدّة خلف تعيين لي موفداً خاصاً لبكين. من ناحية أولى، ربّما يمثّل لي رسالة طمأنة من الصين إلى روسيا. صحيحٌ أنّ الصين أعربت عن دعمها للكرملين في محطّات عدّة طوال فترة الحرب. لكنّها أيضاً لم تحوّل دعمها السياسيّ إلى ما هو ملموس على الصعيد العسكريّ. حتى الدعم الاقتصاديّ لا يتجاوز في معظم الأحيان ما هو مصلحة صينيّة مباشرة في الحصول على الطاقة بأسعار مخفّضة، وإن كان هذا الأمر يعزّز بطريقة غير مباشرة قدرة الجيش الروسيّ على استدامة معاركه. وقفت الصين أيضاً بوضوح ضدّ التهديدات الروسيّة باستخدام السلاح النوويّ في أوكرانيا. وخلال الاتصال بزيلينسكي، طمأن شي أنّ بلاده لن تزوّد روسيا بعتاد عسكريّ. لا بدّ لهذه النقاط وغيرها من أن تثير حفيظة موسكو بسبب محدوديّة المساعدات التي تقدّمها بكين. بالتالي، يصبّ تعيين لي كموفد دبلوماسيّ في إطار تأكيد أنّ الصين لن تتخلّى عن روسيا في أيّ خطّة سلام مقترحة.

من جهة ثانية غير منفصلة تماماً عن الأولى، قد لا تتضرّر الصين كثيراً من رسم صورة بأنّها منحازة "نوعاً ما" إلى روسيا في الوساطة. تمنحها هذه الصورة قدرة أكبر تجاه الأوروبيّين على انتزاع تنازلات محتملة منهم. لعلّ أهمّ محرّك للوساطة الصينيّة في أوكرانيا هو الرهان على إبعاد الأوروبيّين بدرجة معيّنة عن واشنطن. يميل المستشار الألمانيّ أولاف شولتس والرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون إلى إبداء مرونة (ذات دوافع اقتصاديّة بالنسبة إلى الأوّل وسياسيّة بالنسبة إلى الثاني) في الانفتاح على الصين. وفي الوقت نفسه، لا تترك خبرة لي في شؤون روسيا كما في شؤون الاتحاد السوفياتيّ أيّ مجال للشكّ في جديّة النيات الصينيّة تجاه الوساطة.

هذا ما قاله كيسنجر

إلى الآن، ليست أوكرانيا في وارد قبول مقترحات سلام لا تتضمّن انسحاباً كاملاً للقوّات الروسيّة من أراضيها. هذا ما أبلغه وزير الخارجيّة الأوكرانيّ دميترو كوليبا إلى لي خلال زيارته البلاد في 16 و17 أيار (مايو). من جهته، قال لي للمسؤولين الأوكرانيّين إنّه ما من "حلّ سحريّ" لوقف القتال، إذ يحتاج الأفرقاء إلى بناء الثقة المتبادلة لتوليد ظروف المحادثات. لهذا السبب، رأت "وول ستريت جورنال" أنّه لم يتمّ تحقيق أيّ خرق في الزيارة الأخيرة. لكن ما من مفاجأة في هذا التحليل. لم يتوقّع أحد إنجاز هدف كهذا خلال المرحلة الراهنة. فأوكرانيا تستعدّ للهجوم المضادّ حيث يترقّب العالم، ومن ضمنه الصين، نتيجته العسكريّة. بالتالي، من المنطقيّ أن تكون جولة لي استطلاعيّة هادفة إلى الاستماع لوجهات نظر الأطراف المعنيّة.

لاحقاً، بناءً على نتائج الهجوم المضاد، ستتّضح أكثر معالم أيّ تسوية مقبلة، وتالياً معالم المقترحات التي قد يتقدّم بها هوي آخذاً بالاعتبار أيضاً جولاته الدبلوماسيّة وإلمامه بشؤون المنطقة. في حديث إلى شبكة "پي بي أس"، أعرب وزير الخارجيّة الأميركيّ الأسبق هنري كيسنجر عن اعتقاده أنّ الصين قد تخوض الوساطة فعلياً أواخر السنة الحاليّة بين أوكرانيا وروسيا. لكن ثمّة ما هو لافت أكثر في حديث كيسنجر إلى مجلّة "إيكونوميست"، إذ رفض اعتبار العلاقة بين الصين وروسيا علاقة تحالف. فهو قال: "لم ألتقِ قطّ بزعيم روسيّ قال أيّ شيء إيجابيّ عن الصين. ولم ألتقِ قط بزعيم صينيّ قال أيّ شيء إيجابيّ عن روسيا".

ربّما يمثّل لي استثناء لهذه القاعدة – قاعدة كيسنجر على الأقلّ. كتب لي أنّ على الصين وروسيا الوقوف "جنباً إلى جنب وكتفاً إلى كتف" وأنّ بكين بحاجة إلى موسكو "قويّة". ربّما يعبّر لي عن لباقة دبلوماسيّة لا تعكس تماماً حقيقة النظرة الصينيّة إلى روسيا، وربّما، على العكس من ذلك، يجسّد كلامه حقيقة الموقف الرسميّ لبلاده. سيتعيّن انتظار بعض الوقت لمعرفة شكل أيّ تسوية مستقبليّة قد تقترحها الصين لإنهاء الحرب ونظرتها إلى الدور الروسيّ في مرحلة التي تليها. الأكيد أنّ لي سيكون أحد الأسماء البارزة خلف تسوية كهذه.

 

المصدر: ""النهار العربي" جورج عيسى"






إقرأ أيضاً

ميلوني تختصر مشاركتها بقمة السبع بسبب الفيضانات في إيطاليا
الجنائية الدولية تأسف لإدراج مدعيها العام على قائمة المطلوبين في روسيا

https://www.traditionrolex.com/8