هل يسعى الفدرالي لإفقار الناس؟

خلال ندوة اقتصادية في إحدى الجامعات الخاصة في العاصمة المصرية القاهرة، وبعد بعض من الشرح حول آليات البنوك المركزية لمواجهة التضخم، رفع أحد الحضور يده، وتوجه إلى المحاضرين بالسؤال المفزع: "هل يسعى مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) والبنوك المركزية الكبرى لإفقار الناس؟".

وبينما يترقب الجميع اجتماعات هامة للمركزي الأميركي والمركزي الأوروبي هذا الأسبوع، كان السؤال صادماً، لكن الإجابة عليه كانت أكثر قسوة لأنها كانت بـ"نعم". تطلب الأمر بعض من التوضيح، لكن ذلك لم ينف الإجابة، بل أكدها.

بعد سنوات من التيسير النقدي الواسع المدى، والذي شمل ضمنياً إتاحة البنوك المركزية للأموال بشكل كبير للأفراد والشركات من أجل دعم النمو الاقتصادي الزاهر، جاء وقت التشديد، بكل ما يشمله من خطوات عكسية.

خلال أعوام الرخاء، تدعم البنوك المركزية بقوة الاقتراض، سواء على شكل ديون أو بطاقات ائتمانية وغيرها، من أجل توسع الشركات ومزيد من التوظيف، ومزيد من القوة الشرائية، والتي تؤدي كلها لمزيد من النمو... لتستمر الدورة الاقتصادية في الصعود.

لكن مع تضخم عنيف، وركود بأغلب الأسواق، فإن التشديد وتجفيف السيولة يكون هو الحل المتاح أمام البنوك المركزية للجم التضخم. فخفض الانفاق يدفع السلع إلى دورة من زيادة العرض عن الطلب، وبالتالي تنخفض الأسعار.

وبالفعل قام الفدرالي والبنوك الكبرى بسلسلة من رفع الفائدة لمستويات قياسية منذ بداية العام، وهي آلية تزيد كلفة القروض، وبالتالي تقلص المتاح النقدي. لكن في ذات الوقت فإن البنوك الكبرى تصر على مواجهة زيادة الأجور، حتى لا تكون كمن يحارب "طواحين الهواء".

هذه الالية تكون محكومة بضوابط معروفة ولعبة توازنات دقيقة، أولها الحفاظ على معدلات القوة العاملة، فلا فائدة من تراجع التضخم مع زيادة البطالة والتي تستتبعها عادة زيادة في الانفاق من الموازنة على علاج هذه البطالة بما قد يفوق الفائدة بعشرات المرات.

ومع بقاء قوة التوظيف في ذروتها، والتضخم قرب مستوياته القياسية، يتوقع الجميع أن يستمر الاحتياطي الفدرالي في مسيرة رفع الفائدة خلال اجتماعه المقبل الذي يبدأ يوم الثلثاء وينتهي مساء الاربعاء.. إلا أن التوقعات تصب في اتجاه تخفيف حدة الرفع إلى 0.5 نقطة مئوية فقط بدلا من 0.75 نقطة كما فعل سابقاً، حيث رفع البنك الفائدة ست مرات منذ بداية العام، كان من بينها 4 مرات بنسبة 0.75 نقطة، ليصل المعدل إلى ما بين 3,75 و4 في المئة.

ورغم تذمر الأفراد والشركات وأسواق الأسهم والسلع الرئيسية من الرفع المتتالي للفائدة، إلا أن الفدرالي لا يزال مدعوماً ببيانات وظائف قوية، ومعدلات ادخار عالية تتيح له المضي قدماً.

وبالفعل بدأ منحنى التضخم في التراجع إلى 7.7 بالمئة في شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، لكن ذلك لا يزال بعيداً جداً عن المستهدف المتوسط حول 2 بالمئة سنوياً. ويؤكد مسؤولو الفدرالي والبنوك الكبرى أنهم سيواصلون مساعيهم لحين تحقق المستهدف... ويتوقع أغلب المحللون أن يكون ذلك مع نهاية العام المقبل، وليس قبل ذلك.

وفي تأكيد على ذلك، توقعت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين حدوث تراجع كبير في مستوى التضخم في الولايات المتحدة في نهاية عام 2023، قائلة لـ"سي بي إس" مساء الأحد: "أعتقد أنه بحلول نهاية العام المقبل سترون تضخماً أقل بكثير إذا لم تكن هناك مفاجأة غير متوقعة".

ورغم عدم تدخلها كوزيرة للخزانة في سياسات المركزي، إلا أن آراءها معتبرة، نظراً لخبرتها المالية الواسعة من جهة، وكونها رئيسة الاحتياطي الفدرالي السابقة والعليمة بكيفية إدارة السياسات. وبسؤالها عن احتمال حدوث ركود، قالت يلين: "هناك خطر حدوث ركود. ولكن بالتأكيد، في رأيي، ليس شيئاً ضرورياً لخفض التضخم".

ولفتت يلين إلى أن النمو الاقتصادي يتباطأ بشكل كبير وإن التضخم يتراجع، وإنها ما زالت تأمل في أن تظل سوق العمل قوية. وأضافت أنها تأمل أن يكون الارتفاع المفاجئ في التضخم هذا العام قصير الأجل. وقالت إن الحكومة الأميركية تعلمت "دروساً كثيرة" بشأن ضرورة الحد من التضخم بعد ارتفاع الأسعار الذي شهدته السبعينيات.

وانخفضت تكاليف الشحن وتراجعت فترات التأخر في التسليم، في الوقت الذي كانت فيه أسعار البنزين في المحطات "منخفضة للغاية". وقالت يلين: "أعتقد أننا سنشهد انخفاضاً كبيراً في التضخم في العام المقبل".

وفي تعليق لوكالة "فرانس برس"، أكد خبير الاقتصاد لدى "آي إن جي" جيمس نايتلي أن صانعي السياسات يحافظون على عقلية أن "خطر القيام بالقليل يتجاوز خطر اتّخاذ الكثير من الإجراءات"، مضيفاً: "سيتحمّلون الركود لضمان هزيمة التضخم".

المصدر: النهار العربي

لميا نبيل

المصدر: "المصدر: النهار العربي"