https://www.traditionrolex.com/8


حوار الهوية الوطنية في الإمارات مستمر


On 16 November, 2022
Published By Tony Ghantous
حوار الهوية الوطنية في الإمارات مستمر

قرأت بحرص مقال الدكتورة ميرة الحسين بعنوان الإمارات بين الهوية الوطنية والعقد الاجتماعي الذي هو ترجمة لنسخته الإنكليزية في موقع كارنيغي. قدّم المقال قراءة نقدية في موضوعات إماراتية عديدة من بينها موضوع الهوية الوطنية. ورغم الاتفاق مع ما ورد في المقال، إلا أن نقاط الاختلاف أكثر.

فمن حيث المبدأ لا أتفق مع وصفها أن الإمارات دولة مهاجرين. هذا وصف غريب لا يناسب مجتمع الإمارات. فالإمارات دولة مواطنين لا دولة مهاجرين، ترحّب بين الحين والآخر بالمهاجرين الذين تم دمجهم بنجاح في بوتقة وطنية بهوية إماراتية تزداد قوة. لكن الإمارات كبقية دول الخليج تعيش خللاً سكانياً غير مريح. هذا الخلل السكاني يتزايد يوماً بعد يوم وتحول الى معضلة تحتاج إلى معجزة لحلها. رغم ذلك تحاول الإمارات تحويل أزمتها السكانية إلى فرصة تنموية بالقول إن التنوع السكاني ووجود نحو 200 جنسية تتعايش بسلام على أرضها، هو رصيد يمكن إدارته بحنكة وحكمة وليس بالضرورة عبئاً يجب إزالته والتخلص منه أو التخفيف منه.

وبقدر ما أتفق مع الدكتورة ميرة أن مواطن الإمارات أخذ يؤكد على "إماراتيته" ويعلي من شأن هويته الوطنية قبل الانتماء لأي هوية فرعية أخرى خاصة القبلية منها والهويات الفرعية الاخرى، لكن أختلف مع قولها إن "هذه النسخة من الهوية الوطنية استنفذت فائدتها في إعادة تشكيل الدولة والمجتمع في مرحلة ما بعد الربيع العربي". فالهوية الوطنية الإماراتية التي تأسست مع قيام الدولة الاتحادية يعاد انتاجها في المناهج الدراسية والمناسبات الوطنية، ولم تستنفد غرضها ولم تنته صلاحيتها، بل جاءت لتبقى وتزداد رسوخاً في وجدان مليون إماراتي ومعهم نحو 9 مليون وافد يعتبرون الإمارات وطنهم الثاني.

كذلك لم يوفّق المقال في القول ان الإمارات مستمرة منذ اندلاع الربيع العربي في عزل المكون القبلي عن مركزيته التقليدية. فالمكون القبلي هو مكون اجتماعي أصيل لا يمكن زحزحته أو عزله، لكن القبلية وليس القبيلة هي في انحسار مقابل انتشار هوية إماراتية وطنية جامعة لمواطني الدولة. بل أكثر من ذلك تحتفل الدولة بالقبيلة والقبائل التي بلغ عددها نحو 80 قبيلة في المناسبات الوطنية كونها مصدراً من مصادر الشرعية التقليدية لتعيش جنباً إلى جانب مع مصادر الشرعية المؤسسية والشرعية الإنجازية والشرعية الكرزمية ممثلة في رئيس الدولة.

ولا أعتقد أن المقال كان موفّقاً في تناوله لتلك الفئة التي تمت محاكمتها سنة 2013 في الإمارات والتي لها ارتباط فكري وتنظيمي وثيق بالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين. ولاء هذه الفئة لمرشد الإخوان ليس زعماً وادعاءً كما جاء في المقال، بل موثق بالدليل القاطع وباعتراف قادة هذا التنظيم السري. لقد تمت محاكمة أفراد هذا التنظيم في محاكمة علنية بحضور أسرهم والصحافة المحلية التي نقلت ما جرى في جلسات المحاكمة بكل شفافية. طبعاً الإمارات أفضل حالاً بدون سجين سياسي واحد، لكن تطبيق القانون على من يخالف القانون هو من أوجب واجبات الدولة.

كذلك فإن إشارة المقال إلى "عقد اجتماعي تقليدي" وسرعة انهياره هو أيضاً غير صحيح إطلاقاً. فمقولة العقد الاجتماعي عموماً مقولة غير مقنعة، بل هي مستوردة من الفكر الغربي، وارتبطت بكتابات كل من توماس هوبز وجان جاك روسو وانتقلت لاحقاً إلى أدبيات غربية تناولت الشأن الخليجي. لكن لا يجب تعميم مقولة العقد الاجتماعي التي هي حالة افتراضية وليست واقعية، ولا يجب أخذها على علاتها وكأنها صالحة لكل زمان ومكان، وهي حتماً أبعد من أن تكون صالحة لدراسة خصوصية الواقع الخليجي.

فإن كان هناك من عقد اجتماعي خليجي ما، فهذا العقد الخليجي قائم على مركزية الأسر الحاكمة في الإمارات وبقية دول الخليج. مركزية الأسر الخليجية الحاكمة هي الثابت الوحيد منذ قرون في العلاقة بين الحاكم والمواطن الإماراتي والخليجي. هذه علاقة تاريخية واختيارية ومسلمة من المسلمات، لا تحتاج لعقد اجتماعي تقليدي أو جديد. فالطاعة التامة للأسر الحاكمة هي الثابت السياسي والاجتماعي الوحيد الذي لا يتغير بتغير الظروف. كان الولاء للحاكم قائماً قبل النفط وفي مرحلة النفط وسيظل قائمًا بعد النفط وبعد تفكيك الدولة الريعية الذي يتم حاليا بتدرج يحافظ على الاستقرار السياسي والانسجام الاجتماعي والازدهار الاقتصادي. العلاقة بين الحاكم الخليجي والمواطن الخليجي لا تحتاج أن تدون في عقد اجتماعي ذلك أنه من الثوابت التي ستزداد ثباتاً لقرون قادمة.

لذلك لا خوف إطلاقاً على ما تسميه الدكتوره ميرة "سرعة انهيار العقد الاجتماعي التقليدي والراسخ منذ زمن طويل على يد طبقة جديدة في المجتمع". هذه مقولة فيها الكثير من التبسيط والاختزال وحتى التجني على أفراد طبقة وسطى جديدة هي اليوم من أهم ركائز الخليج الجديد. تشكّل الطبقة الوسطى الجديدة والمتعلمة والمكوّنة من تكنوقراط ورجال أعمال تحولاً تاريخياً عميقاً وهي وقود الحداثة الخليجية التي تختلف عن الحداثة الأوروبية. علاوة على ذلك فإن ولاء هذه الطبقة الوسطى للوطن أولاً وأخيراً وتحظى بثقة الحاكم أكثر من أي فئة في المجتمع الخليجي الجديد.

أخيراً، هناك مواطن جديد في إمارات القرن العشرين يعتز بإماراتيته أكثر مما يعتز بقبيلته، وينتمي لوطنه أكثر مما ينتمي لإمارته، وقدمه راسخة في أرض الوطن ورؤية عالمية بل كونية ويواكب رحلة الامارات من المحلية إلى العالمية.

كانت الخمسين سنة الماضية من عمر الإمارات مليئة بالفرص والتحديات وكذلك ستكون الخمسين سنة المقبلة التي يتم تأسيسها بالاعتماد على جيل إماراتي جديد ينتمي لوطنه ومخلص لقادته ومنفتح على عصره، ومستعد للتعامل مع تحديات مستقبلية ضخمة من بينها تحديات الهوية الوطنية والخلل السكاني ومتطلبات قرن جديد.

 

عن CNN

المصدر: النهار العربي

د.عبدالخالق عبدالله

 

المصدر: "المصدر: النهار العربي"






إقرأ أيضاً

تونس: نقابة الصحافيّين تندّد بملاحقة موقع إخباري قضائياً لانتقاده رئيسة الحكومة
حادث تصادم في مصر يودي بحياة جميع الركاب

https://www.traditionrolex.com/8